اليوم بإذن الله تعالى ندخل في العشر الأواخر من رمضان، التي هي خلاصة رمضان، وزبدة رمضان، وتاج رمضان.. فيا ترى كيف نستقبلها؟


ا






لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر الأواخر بعدة أعمال.. ففي الصحيحين من حديث عائشة: "كان رسول الله إذا دخلت العشر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله". ولها عند مسلم: "كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد غي غيرها"، و لها في الصحيحين: "أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله".
فمن هذه الأحاديث نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بالأعمال التالية:
إيقاظ أهله: وما ذاك إلا شفقة ورحمة بهم حتى لا يفوتهم هذا الخير في هذه الليالي العشر.
إحياء الليل: فإنه إذا كان رمضان كان يقوم و ينام، حتى إذا ما دخلت العشر الأواخر أحيا الليل كله أو جُله.
شد المئزر: والمراد به اعتزال النساء كما فسره سفيان الثوري وغيره.
الاعتكاف: وهو لزوم المسجد للعبادة وتفريغ القلب للتفكر والاعتبار.
تُرى أيه الأحبّة: لماذا يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل هذا؟
إنه يطلب تلك الليلة الزاهية، تلك الليلة البهية، ليلة القدر، ليلة نزول القرآن، ليلة خير من ألف شهر.
نعم إنها ليلة القدر: التي من قامها إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه.. إنها ليلة القدر التي إن وفقت لقيامها كتب لك كأنك عبدت الله أكثر من (83) عاما.
وآه لنا إن فاتتنا هذه الليلة.. واحسرتاه إن فاتتنا ليلة القدر!
و كيف لا يتحسر من قد فاتته المغفرة، من فاته عبادة أكثر من ثلاث وثمانين عاما، إن من تفوته فهو المحروم، وهو المطرود.
فيا أخي: والله إن العمر كله قصير، فكيف بعشر ليال؟! ألا تستحق ليلة القدر أن نضحي من أجلها بعشر ليال فقط.. غدا يا عبد الله عندما يوفى الناس أعمالهم تحمد قيامك وصيامك.. غدا يا عبد الله تفرح بتهجدك وصلاتك، حين يتحسّر أهل الغفلة.
اللهم إنّا نسأل أن تجعلنا مِن مَن يوفق لقيام ليلة القدر وأنت أكرم الأكرمين.
//
لا تضيعوا أفضال العشر الأواخر
ضاعفوا الاجتهاد في هذه الليالي، أكثروا من الذكر.. أكثروا من تلاوة القرآن.. أكثروا من الصلاة، أكثروا من الصدقات، أكثروا من تفطير الصائمين.. ففي صحيح مسلم أن رسول الله كان يجتهد في العشر ما لا يجتهد غي غيرها.
ما جئتكم لتجعلوني موسماً لملء بطونكم بأصناف الطعام والشراب.. ولا جئتكم لتجعلوا ليلي نهاراً، ونهاري ليلاً، وتقطّعوا ساعاتي الثمينة باللهو واللعب، والنظر إلى ما حرم الله وتقطيع الوقت في المنتزهات وغيرها..!
فأدركوا الحكمة من مجيئي إليكم..
//
لنغتنم هذه العشر..
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيى ليله، وأيقظ أهله.
ومن الأعمال الخاصة بالعشر الأواخر من رمضان نذكر:
-إحياء الليل: ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه، ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة، قالت: "ما أعلمه قام ليلة حتى الصباح".
- إيقاظ أحد الزوجين صاحبه: فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يُوتر.
- شدّ المئزر: والمراد اعتزال النساء، وبذلك فسّره السلف والأئمة المتقدمون منهم سفيان الثوري، وورد تفسيره بأنه لم يأوِِ صلى الله عليه وسلم إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان. وفي حديث أنس: "وطوى فراشه، واعتزل النساء".
- تأخير الفطور إلى السحر: فقد رُوي من حديث عائشة وأنس أنه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحوراً. ولفظ حديث عائشة: "كان رسول الله إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الأذانين، وجعل العشاء سحوراً". رواه ابن أبي عاصم. وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر"، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مُطعِمٌ يُطعمني وساقٍ يسقيني". رواه البخاري.. وظاهر هذا يدل على أنه كان يواصل الليل كله، وقد يكون إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهاد في ليالي العشر، ولم يكن ذلك مضعفاً له عن العمل؛ فإن الله كان يطعمه ويسقيه.
- الاغتسال بين العشاءين: وقد تقدم من حديث عائشة: "واغتسل بين الأذانين". والمراد: أذان المغرب والعشاء، قال ابن جرير: "كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر".
- الاعتكاف: ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "كان رسول الله يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين". وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يُطلب فيها ليلة القدر، قطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه..
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقى له هم سوى الله وما يُرضيه عنه.